والاجتماع ليلة النصف من شعبان مثله ذكر ودعاء وقرآن وصلاة ليس فيها ما يُنكَر ولكن المنكرين يفرضون نفسهم أو اجتهاد أئمتهم على الناس وينكرون اتباع الأئمة الآخرين ولو كان أولئك الأئمة من كبار فقهاء السلف الصالح المرضي عنهم .
فإن قالوا: لا نقبل إلا بإجماع السلف قيل لهم : هل أجمع السلف على إنكار الاجتماع ليلة النصف من شعبان في المساجد وهل طردوا المجتمعين من بيوت الله .
وجاء في الحديث الثناء على الذكر الجماعي نصاً فيما رواه البخاري ومسلم([13]) قال صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عز وجل تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم ـ وهو أعلم منهم ـ ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك… يقول: فما يسألونني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة… قال: فمما يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار… قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم).
وقوله عنهم: ”قوم، وجلساء“ صريح في أنهم جماعة، واتحاد أقوالهم يدل على أنهم يقولون ذلك معاً، علماً بأن الأمر في الآية {اذكروا الله ذكراً كثيراً} أمر للجماعة مطلق لا يجوز لأحد أن يقيده بحالة خاصة إلا بدليل، فإذا لم يوجد دليل يقيده بقي على إطلاقه امتثالاً لأمر الله تعالى.
وقد أوَّل بعض الذين ينكرون الذكر الجماعي هذا الحديث بأن المراد به الاجتماع على القرآن؛ لأنه ذكر، وهذا تأويل مخالف لصريح الحديث؛ لأنه قال: (يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك) وهذا ليس قراءة قرآن، وقال: (ويسألونك الجنة ويعوذون من النار)، وهذا دعاء جماعي، وقد قال الله تعالى: {ادعوني أستجب لكم}، وهذا خطاب للجماعة، فالجماعة مشروعة في كل حال، ولا يجوز استثناء حالة إلا إذا جاء النهي عنها، وكلمة الذكر تشمل القرآن والدعاء وكل الأذكار، فلو لم يكن في الحديث تصريح بالأذكار الأخرى غير القرآن لما جاز أن يفسر لفظ الذكر ببعض معانيه ويترك بعضها، فكيف وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن صراحة؟!